خرج من عمله ، كان يسير بغير هدى ، لايعرف إلى أين يذهب ، أخذته قدماه إلى تلك الحديقة ، لطالما مر إلى جوارها ، لكنه اليوم شعر برغبة فى دخولها ، سار فى طرقاتها ، وجد مقعد بعيد تحت شجرة وارفة الظلال ، جلس إليه ومد يده فى حقيبته الصغيرة ، وأخرج الجريدة ، أخذ يقلب صفحاتها وهوشارد الذهن لا يكاد يفقه شيئا مما تقع عليه عيناه ، رفع رأسه فى بطء ، فرآها !! هناك فى ركن صغير ، إمرأة جميلة تجلس بين باقات الورود ، كلما مر على ركنها الهادئ أحد رواد الحديقة ، أهدته باقة من الورود ، نظر إليها طويلا ، لكنه لم يتحقق من ملامحها ، كل مارآه هيئتها الأنيقة التى توحى بالرقى والجمال ، كانت بعيدة فى ركنها المخملى ، كانت أجمل باقة بين الورود ، لم يعرف كم مضى من الوقت وهو يتأملها ، حتى إذا قاربت الشمس على المغيب ، قام فى تثاقل ليعود إلى بيته .
وفى اليوم التالى ، أسرع الخطى إليها ، دخل الحديقة مسرعا وعيناه معلقتان على ركنها ، فإذا بها هناك كأجمل وردة فى الحديقة ، تهدى باقات الورود لتضفى بهجة وحبا على الدنيا كلها ، جلس فى مقعده ينظر إليها ، لم يعرف أهذا هو اليوم السابع أم العاشر ، أم الثالث بعد المائة منذ رآها لأول مرة ، لكن اليوم قرر أن يغادر مقعده ، وتوجه إليها ، وقلبه يخفق بقوة ، وأنفاسه تتعاقب ، حتى مر إلى جوارها ، وإذا بها تنظر إليه وتهدى إليه باقة من الورود ، وإبتسمت له إبتسامة جميلة ، لم يعرف وقتها أيهما أجمل ورودها أم إبتسامتها .
وإعتاد كل يوم أن يذهب إلى الحديقة ، ليجلس على مقعده الأثير ، يراقب صاحبة الورود ، ويأخذ باقة جميلة ، يعيش بها إلى اليوم التالى ، واليوم سألها : من أنتى ؟ ولماذا تهدين الورود ؟ فردت ببساطة : رب وردة تسعد قلوبا كثيرة ، ورب بسمة تمسح أحزانا شديدة ، ورب شمعة تضيئ ظلام بلاد كبيرة.