إستلقى على الأريكة ، مدد ساقيه فى تثاقل ، ألقى برأسه الى الخلف ، أغمض عينيه ، لم يكن يعرف بماذا يشعر الآن ! لم يستطع توصيف حالته فى تلك اللحظة ! كل ما كان يشعر به وقتها أن ثقلاً عظيماً أُلقى عن كاهله ، لكنه أيضاً كان يشعر بالضيق ، كان يشعر بمشاعر كثيرة متنافرة لاتجتمع أبداً فى قلب إنسان فى وقت واحد .
همس فى نفسه : " الحمد لله .. لقد أراد الله بى خيراً .. كل مصيبة هى فى حقيقة الأمر خير من الله ، ولكن نحن لانعلم الكثير عن حكمة الله سبحانه "
كان أكثر ما تعجب له هذا الثبات الذى أنزله الله عليه ، لم يكن ليتخيل نفسه يوماً فى مثل هذا الموقف العصيب ، ربما لو كان رأى فى منامه موقف كهذا لاستيقظ من نومه منهاراً جزعاً ، ولكنه اليوم وهو يعيش الأمر حقيقةً - بكل تفاصيله الرهيبة وبكل إحتمالاته المخيفه - يرى نفسه ثابتاً كالصخر ، راضياً من أعماق نفسه ، حتى أن لسانه لم ينطق بـ " لاحول ولاقوة الا بالله" ، ولم يقل : " إنا لله وإنا إليه راجعون " ، بل وجد نفسه يهمس منذ اللحظة الاولى " الحمد لله .. الحمد لله " وكأنه كان ينتظر فرجاً من عند الله وجاء فى موعده ، وكأنه لم يشعر قط أنه يمر بمحنه تستوجب الاسترجاع والحوقله .
لم يفهم ماذا حدث ، وماذا يحدث ، وكيف هو متماسك وهادئ هكذا ، كل ما كان يدركه أنه رغم ضيقه فهو يشعر بالراحة ، ورغم مصابه فهو راضٍ بقضاء الله ، ووجد نفسه يتحدث لمن حوله بلطف الله وكرمه ، و كيف أنه سبحانه منع عنه كل سوء وكل شر ، وكان قدره سبحانه محكم ، وكان توقيته عز وجل متقن ، كان يتحدث لمن حوله عن أناس أحاطوا به ، وبذلوا بحب من أجله وكأن المصاب مصابهم ، حتى أنه أحس وكأنهم أقرب وأحب الناس اليه .
أليس هذا فضل الله وكرم منه أن حفظ له ماهوغالٍ ! وأعطاه مشاعر حب ! ووهبه إهتمام أناس قلوبهم كالدرر ! وسلبه أشياء رخيصة فانية ليذكره دائماً أن الغالى هو مايستحق الحفظ ، وأن أغلى مافى الدنيا أن تشعر بحب وإهتمام وعنايه أناس طيبين ، حتى ولو كنت تراهم لأول مرة فى حياتك .