خلجات روح


منذ أن كتبت آخر كتاباتى بعنوان " عندما تختنق الروح " لم أعد أستطيع الكتابة ، تغيرت نظرتى للكثير من الأمور ، بل تغيرت نظرتى للدنيا كلها ، وكأن الغشاوة قد إنجلت عن بصرى ، بل دعونا نقول أن الغشاوة قد انجلت عن بصيرتى  فلم أعد أشعر أنى كيان  مستقل ، إننى اشعر الآن بأنى كيان مرتبط بكيانات أخرى ، نحن متلازمان مرتبطان ، بل نحن متلازمون ومرتبطون ، فنحن لسنا إثنين فقط روح وجسد ! بل نحن روح .. وقلب .. وعقل .. وجسد ، كيانات مرتبطة تتحد أحيانا , ونجد أنفسنا ننفصل فى أحيان أخرى ، نتحرك كوحدة واحدة فى بعض المواقف ، وينتحى كل منا منحى منفرد فى مواقف أخرى .
لم أعد أرى نفسى  حراً ، ولم أعد أشعر بأنى صاحب القرار الأوحد ، وصاحب الرأى الأول والأخير فى حياتى .
لكنى عندما أقول أنا !!!
فأنا وقتها أقصدنى أنا !!!
فأنا روح هائمة فى ملكوت الله ، أسبح فى أفق فسيح ، يحدنى هذا الجسد القميئ العاجز ، يرتب تصرفاتى هذا العقل المحدود الإداراك ، ويحاول القلب جاهداً أن يحررنى ولكن دون جدوى . 
انا روح .. أقضى بعضاً من وقتى فى هذا السجن الصغير الذى تسمونه الجسد ، وأقبع فى ذاك السجن المحدود الذى تسمونه الدنيا ، وعنما يحين موعد الرحيل أتحرر من هذا السجن وذاك ، لتعود لى حريتى من جديد وأسبح فى ملكوت الله الواسع .
ولكن هذا السجن وهذا الإختبار هو ما سيحدد هل أسترد حريتى بحق ، أم أن بعد السجن حسرة وندامة .
أعوذ بالله من عذاب بعد عذاب ، ومن جحيم بعد ضجر ومهانة .
الآن أصبحت أرى حقيقة الأمور ، أصبحت أرى الصورة بوضوح وعمق ، أصبحت أعرف من أكون وما أريد .
ربما أستطيع أن أعطى لروحى بعضا من الحرية بعد أن عرفت من أنا وكيف أعيش ، ربما أستطيع أن أنعم ببعض الانطلاق اذا أطلقت العنان لبصيرتى ، واذا إستحضرت  كامل طاقتى , ربما استطيع وقتها أن أجعل روحى تسود وتقود ، ربما ليس طوال الوقت ولكنى أستطيع أن أقود هذه الكيانات التابعة معظم الوقت .
رباه !! هذا الجسد الضعيف .. ساعدنى ياربى لأُخرج أجمل ما فيه , ولأستحث كل مالديه من عزم حتى أستطيع أن أحيا تلك الأيام البائسة .
الآن .. أنظر الى هذا الجسد المتعب ، يريد الآن أن ينعم ببعض الراحة بعد عناء يوم طويل , لكننى لازلت نشيطا !! أريد أن أنطلق !! أريد أن أهيم !! أريد أن أطوى الأرض جيئاً وذهابا ، أريد أن أبعث فى هذا العالم الكسول نشاطاً وحركة ، طاقتى لاتنتهى !! ولكن جسدى خارت قواه ولابد لى أن أقبع فى هذا الفراش كى أختنق .. وأختنق .. وأختنق .. ثم أذهب إلى عالمى ، عالم الأرواح  ، أتجول فيه قليلاً .. حتى يسترد هذا الجسد بعض قواه ، ثم أعود إليه من جديد لنقضى يوماً آخر فى هذا العالم الغريب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق