عندما كنت صغيراً كانت أمى تقول لى : لاتذهب الى أصدقائك كثيراً حتى لايملوا منك ، وعندما أصبحت فى الجامعة كان الشباب يتحدثون كيف أنهم يتجاهلون الفتيات ليزداد إنجاذبهن لهم ، وعندما صرنا أصدقاء فتيان وفتيات كنت أستمع الى أحاديث الفتيات وكيف أنهن يلاحظن نظرات الشباب لهن ويصطنعن الأستياء وهن فى الحقيقة يستمتعن بتلك النظرات ، بل ينتظرن أن تتحول النظرات الى كلمات ، ولكن ما أستوقفنى بالفعل أن بعضاً منهن كن يردن التحدث الى شاب معين وبالرغم من ذلك يشعرونه بعدم الاهتمام .
وفى بداية حياتى العملية وفى إحدى الاجتماعات وجدت مديرى فى العمل يعاتب أحد الزملاء قائلاً لاتصادق العملاء لأنك إن صادقتهم لن يهتموا لأمرك ، فاذا جاءهم المنافس بعرض جيد سيقبلون العرض وهم يعلمون أنهم لن يخسروك ، لأنكم ببساطة .. أصدقاء !
ومرت السنون ، ومر على الكثير والكثير من المواقف المشابهة ، واليوم أتوقف .. وأسترجع كل ما مضى ، أسترجع كل ما رأيته بعينى وكل ما سمعته بأذناى ووعاه عقلى ، وسألت نفسى سؤال ..عندما يقول لك صديق :" أنت أنسان طيب " ، عندما يعلم صديق لك أنك تحبه حقاً ، هل معنى ذلك أنه لن يهتم لأمرك ؟ هل سيكون أهتمامنا فقط بالأشياء والأشخاص البعيدة عن سلطاتنا ؟ والتى لم تتمكن منها قبضتنا ؟ ولانهتم بالاشخاص الذين نستشعر حبهم ، و نضمن ولاءهم ، ونشعر أننا فى قلوبهم ، ونعلم أنهم لن يتخلوا عنا أبداً ، وبالتالى نتعامل معهم على أنهم رصيد مجمد ندخره لوقت الحاجة فقط !
عشت عمرى أرفض هذه المفاهيم ، ليس فقط أرفضها ، أيضاً أرفض أن أعترف أنها ضمن نظام الكون ، أرفض أن أعترف أنها مسلمات موجودة بالفعل سواء شئنا أم أبينا .
ولكننى اليوم عدت أراجع نفسى ، فربما لاتكون هذه المفاهيم صحيحة ، ولكنها واقع بالفعل .. فالشر نفسه واقع نعيشه ونراه .
ولكنى لازلت أرفض أن أعيش هذا الواقع ، لازلت أتعامل مع أصدقائى بطبيعتى دون أن أخاف أن يملوا منى ، لازلت أصادق كل الناس .. من يربطنى بهم العمل ومن ليسوا كذلك ، لازلت أبوح بحبى وأهتمامى لمن أحب دون أن أخشى أن يضعنى فى صندوق كتب عليه : "محفوظ لحين الحاجة اليه " لازلت أفعل ذلك ، وسأظل أفعله ماحييت ، حتى لو كنت أعلم أن كل ماقيل لى فى حياتى هو الواقع ، فلن أعترف به ولن أعيشه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق