بخطوات بطيئة ثقيلة كان يقطع ذلك الطريق ، هو المكان نفسه الذى شهد أحداثاً متناثرة بطول وعرض عمره الفائت ، تلك البقعة بالتحديد شاركته أحزانه وأشواقه ، ذاك الجدار المنخفض الممتد على مرمى البصر لازال يحجب هذا البحر الغاضب وكأنه طوق ضعيف يحاول جاهداً أن يكبل ثوراً قوياً أشتد به الهياج.
كان الهواء البارد يلفح وجهه ورذاذ البحر المائج يستدعى ذكرياته ، ويستدعى معها كل أشجان السنين ، وقف ينظر الى الأفق الغائم ، يستنشق الريح العاصف ، يحدق فى الموج الماجن ، وقف يتساءل ؟ هل الحالة التى يعيشها هى حقيقة بالفعل ؟ أم أنه يصر أن يعيشها ليثبت لنفسه أنها الحقيقة ؟
هل تلك الأفتراضات الرومانسية المفرطة قابلة حقيقةً للتطبيق ؟ أم أنها محض إفتراضات ؟
أحيانا يجد الواحد منّا نفسه مندفعاً خلف شيئٍ ما ، وبعد أن يجرى خلفه طويلاً يتوقف فجأة ليسأل نفسه هل هذا الشئ - هل هذا الهدف - هو حقيقة بالفعل ؟ أم أنه الوهم بعينه ؟ هل يجرى وراءه لأنه يرى الأمل يلوح فى الافق ؟ أم أنه سراب وأوهام ؟ أم هو يجرى فقط ليثبت لنفسه أن هذا الشيئ موجود بالفعل ؟
هكذا وقف يناجى البحر المظلم ويسأله ..
هل حقاً نستطيع أن نعيش بلا ضغينة ؟ هل حقاً نستطيع أن نتعامل بشفافية ؟ بوضوح ؟ هل نستطيع أن نتحدث بمكنونات نفوسنا دون أن نخشى ظناً أو سوء فهم ممن حولنا ؟ و هل نستطيع أن نعمل سوياً دون أن نتنازع السبق أو نستأثر بالرأى أو نفقد الإيثار؟
هل نستطيع أن نحتفظ بصفاء نفوسنا ! ونقاء قلوبنا ! وعذوبة ألسنتنا ! وجميل أفعالنا ! وبشاشة وجوهنا ! وطيب نوايانا!
واذا هو كذلك ، جاءه طيف صديق قديم كان يحلم نفس الحلم معه فى هذا المكان منذ سنوات طويلة ، لكنه رحل عن الدنيا ولم ير حلمه يتحقق ، كان كثير الاندهاش من هذا الكذب والغدر ، من تلك الخيانة والانانية التى يراها ليل نهار ، رحل الصديق ذو القلب الطاهر بعد أن عاش عمراً قصيراً وهو غريب فى تلك الدنيا ، يحلم بيوم يغتسل الناس فيه من أدرانهم ، ويعودوا كما أراد الله لهم " يتوادون ، ويتعاطفون ، ويتراحمون ، وكأنهم جسد واحد ، لايهنأون الا اذا كانوا جميعاً سعداء" .
تُرى هل قُدر له أن يرى حلمه ؟ أم أن مصيره مثل مصير صاحبه ؟
ورد البحر بزأره عاليه ، وموجه إرتطمت فى غضب بهذا الجدار البائس ، فتناثرت أشلاءها فى كل مكان ، ووقف هو صامتاً لايعلم أى القطرات دموع عينيه وأيها بقايا موجه حطمتها كلماته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق