21 يوم

وقف أمام المرآة ينظر إلى وجهه كعادته كل صباح ، لم يكن ينظر الى ملامحه وكيف أثر فيها الزمان ، فهو لم يكن يهتم كثيراً بمرور الزمن ولم يكن يخشى أثره على ملامحه .
 كان فقط يخشى أثر الزمن على روحه ، لاننا مهما مر علينا الزمن لانشيخ إلا إذا شاخت أرواحنا .

كان ينظر الى أثر الهموم على وجهه ، كان ينظر الى وجهه ليرى مافعل به الالم . 

ينظر الى عينيه ويراها تحكى كيف تسحق الدنيا تلك المشاعر المرهفة التى أختصه الله بها حتى أنه أحياناً يتسائل : "هل تلك المشاعر الفياضة وهذا الحس المرهف هو نعمة من ربه أم نقمة أراد الله أن يعذبه بها ؟ " .

ولكنه ما يلبث أن يستغفر الله ويشكره على تلك النعمة ويتمتم بحمده كثيراً فلم يكن ليتخيل أن يعيش فى تلك الدنيا بلا هذا القلب النابض ، وبغير هذا الحس المرهف الذى مهما عذبه فهو فى النهاية الشيئ الوحيد الذى يشعره بأنه حى يرزق .

ولكنه اليوم عندما نظر الى عيني نفسه فى المرآة كانت نظرته أعمق وأكثر إختلافاً عن نظرة كل يوم ، كان اليوم يريد أن يحدث نفسه قليلاً ويقف وقفة يراجع فيها الكثير من أفعاله وعاداته ومشاعره وقناعاته .

كان يريد اليوم أن يُقيم عاداته ويعرف أى منها قد تملكه ، وأى منها مازال هو يملكه .

كان يريد أن يُقيم مشاعره ويسألها : هل أصبحت هى تملكه ، أم مازال هو يملك زمامها .

ربما لايتحكم بها كثيراً .. فمشاعره كالبحر الواسع أحياناً تعلو أمواجه فتعصف به عصفاً ، وأحياناً أخرى تصفوا مياهه فتحمله الى عالم الجمال والخيال ، الى عالم تتحقق فيه الأحلام  .

وهو فى الحالتين لا يستطيع التحكم فى هذا البحر وفى رياحه الهوجاء تارة والناعمة تارة أخرى ، ولكن الخيار الوحيد له أن يكون جزءاً من هذا البحر ، الخيار الوحيد أن يجاريه .. ويماريه حتى يستطيع أن يظل على سطح تلك المياه العميقة ويحافظ على مساره وطريقه مهما تغير مزاج هذا البحر الغامض .

كانت تلك هى مشاعره .. نعم يحبها ويعيش فيها ولكنه يرفض أيضا أن تفقده الطريق والارادة والتوجه .

عرف وهو ينظر فى عينى نفسه عبر المرآة أنه يحتاج الى وقفة ، يحتاج لتصحيح بعض المسارات ، يحتاج للسيطرة على بعض خيوط نفسه التى تفلتت منه فى أوج عواصف هوجاء تهب من دنيا يعيش فيها ، وتعصف من مشاعر يعيش بها .

كان الحل فى أيام قوامها إحدى وعشرون يوماً ، تلك الأيام هى وحدها الكفيلة بأن  تفك أسرنا من عادة تملكتنا ، و رغبة إحتوتنا و مشاعر إجترفتنا و دنيا عصفت بنا فالهتنا عن غايتنا وحادت بنا عن طريق أرتضيناه لأنفسنا  .

إحدى وعشرون يوماً .. نتوقف فيها عن أشياء صرنا نفعلها رغماً عنا ، عن عادات صارت أقوى من إرادتنا ، عن أشياء أُغرمنا بها لدرجة جعلتنا لا ندرى أنها تسلبنا حريتنا .

وبعد إنقضاء تلك الفترة القصيرة زمناً .. الطويلة ألماً ومعاناةً ووجعاً سنكون قد تحررنا مما يمتلكنا ، ونستطيع وقتها أن نصحح مسار حياتنا ونستعيد السيطرة على عاداتنا وأفعالنا ونملك ثانية زمام أمورنا ، بل ونستطيع أن نتحكم فى مقدراتنا بالقدر الذى سمح الله به لنا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق