فى نفس الطريق الذى يسلكه كل يوم وهو عائد من
عمله ، نفس الزحام ، نفس الأرهاق والضجر ، يده تعبث براديو السيارة ، يبحث عن بعض
الصحبة ، لعلها تخفف عنه هذا الملل المتكرر ، توقفت أصابعه وهو يستمع الى صوت
المذيعة ، كان صوتها هادئا عميقا ولكنه كان خال من كل تعبير أو أحساس ، مد يده
ثانية ليبحث عن صوت أكثر دفئاً ، لكنه ما لبث أن توقف ، سمع صوت المذيعة يتحدث عن
موضوع شد أنتباهه ، كانت تتكلم عن بعض الأقوال العلمية التى أثبتت أن الأقراص المسكنة
لألام الرأس مثل الصداع يمكنها أيضا أن تسكن الألام العاطفية ، تحت عنوان " قرص
واحد لتسكين جميع آلامك " أستطردت المذيعة تقول أن العلماء وجدوا أن الآلام
العاطفية تسبب أعراض تشبه تلك الأعراض التى تسببها الأمراض الجسدية ، لذلك وجدوا أن
الأقراص المسكنة العادية يمكنها أيضا تخفيف تلك الأعراض ومن ثم يمكنها تخفيف
الآلام العاطفية .
وعندما عاد إلى بيته توجه سريعا حيث يحتفظ
بأقراصه المسكنة ، أخذ ينظر إلى الاقراص وكانه يراها لأول مرة ، وكانه يرى عقارا
جديدا تم أكتشافه للتو ، تناول قرصين ، وأنتظر حتى تسكن أوجاعه ، ولكنها لم تستجب
.
وفى اليوم التالى ، تناول المزيد والمزيد ،
ومرت الأيام والأسابيع ، وهو يتناول الاقراص ويزيد الجرعات ، ولكن أوجاعه لم تسكن
، وتذكر هنا كلمات المذيعة لماذا قالت الالام العاطفية ، لماذا قالت الألام ولم
تقل الأوجاع ، كانت المرة الأولى التى يلحظ فيها الفرق بين الكلمتين ، آلام .. أوجاع .
فالالم .. ربما يكون محتملا وربما لا .. ربما
نجد ما يسكنه وربما لا
ولكن .. الوجع .. هو أقوى من ذلك بكثير ،
الوجع هو ما يأتى من الداخل ، من داخل القلب والنفس ، ينتشر فيغشى الروح والجسد ،
ويتملكها ، يعذبها ويهلكها ، ولا نملك لمقاومته سبيل ، ولا نملك له دواءاً مسكناً ولا نعرف له طبيباً شافياً .
نعم .. ربما تسكن الأقراص آلام الناس .. حتى
العاطفية منها .
لكن الأوجاع لا تسكنها الأقراص ، مهما بلغت قوتها
، ومهما بلغت من حجم وتأثير .
فهل
يسكنها الزمن ؟ ولكن كم من الزمان ؟
حتى لو جئنا بساعة كبيرة فى حجم قرص الشمس ،
وظلت عقاربها تدور وتدور ، فهيهات أن تسكن الأوجاع .
لا يوجد قرص فى الدنيا يسكن الأوجاع ، حتى لو
كان بحجم قرص الشمس ، وحتى لو كان بقوة وعمر الزمان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق