محنة أم منحة

إستلقى على الأريكة ، مدد ساقيه فى تثاقل ، ألقى برأسه الى الخلف ، أغمض عينيه ، لم يكن يعرف بماذا يشعر الآن ! لم يستطع توصيف حالته فى تلك اللحظة ! كل ما كان يشعر به وقتها أن ثقلاً عظيماً أُلقى عن كاهله ، لكنه أيضاً كان يشعر بالضيق ، كان يشعر بمشاعر كثيرة متنافرة لاتجتمع أبداً فى قلب إنسان فى وقت واحد .
همس فى نفسه : " الحمد لله .. لقد أراد الله بى خيراً .. كل مصيبة هى فى حقيقة الأمر خير من الله ، ولكن نحن لانعلم الكثير عن حكمة الله سبحانه "
كان أكثر ما تعجب له هذا الثبات الذى أنزله الله عليه ، لم يكن ليتخيل نفسه يوماً فى مثل هذا الموقف العصيب ، ربما لو كان رأى فى منامه موقف كهذا لاستيقظ من نومه منهاراً جزعاً ، ولكنه اليوم وهو يعيش الأمر حقيقةً - بكل تفاصيله الرهيبة وبكل إحتمالاته المخيفه - يرى نفسه ثابتاً كالصخر ، راضياً من أعماق نفسه ، حتى أن لسانه لم ينطق بـ " لاحول ولاقوة الا بالله" ، ولم يقل : " إنا لله وإنا إليه راجعون " ، بل وجد نفسه يهمس منذ اللحظة الاولى " الحمد لله .. الحمد لله " وكأنه كان ينتظر فرجاً من عند الله وجاء فى موعده ، وكأنه لم يشعر قط أنه يمر بمحنه تستوجب الاسترجاع والحوقله .
لم يفهم ماذا حدث ، وماذا يحدث ، وكيف هو متماسك وهادئ هكذا ، كل ما كان يدركه أنه رغم ضيقه فهو يشعر بالراحة ، ورغم مصابه فهو راضٍ بقضاء الله ، ووجد نفسه يتحدث لمن حوله بلطف الله وكرمه ، و كيف أنه سبحانه منع عنه كل سوء وكل شر ، وكان قدره سبحانه محكم ، وكان توقيته عز وجل متقن ، كان يتحدث لمن حوله عن أناس أحاطوا به ، وبذلوا بحب من أجله وكأن المصاب مصابهم ، حتى أنه أحس وكأنهم أقرب وأحب الناس اليه .
أليس هذا فضل الله وكرم منه أن حفظ له ماهوغالٍ ! وأعطاه مشاعر حب ! ووهبه إهتمام أناس قلوبهم كالدرر ! وسلبه أشياء رخيصة فانية ليذكره دائماً أن الغالى هو مايستحق الحفظ ، وأن أغلى مافى الدنيا أن تشعر بحب وإهتمام وعنايه أناس طيبين ، حتى ولو كنت تراهم لأول مرة فى حياتك .

لقاء


أمس .. إلتقيت بزميل لى فى الدراسة ، بالتحديد زميل فى المدرسة ، وأنا عندما أتحدث عن المدرسة فأنا أتحدث عن سنوات طويلة جداً مضت ، رأيته مصادفةً ، جلست بالقرب منه ، تأملته طويلاً ، كان يتناول إفطاره فى النادى ، لم أكن أنتوى أن أجلس طويلاً ، ولكنى جلست أتأمله ، وأسترجع ذكرياتى فى تلك الفترة ، وبعد وقت ليس بقصير ، توجهت إليه مباشرةً ، وعرفته بنفسى ، وسلم على بحرارة ، وظل يتكلم كثيراً ، يحكى لى عن عمله وأولاده ، يحكى لى عن أنشطته وإهتماماته وماذا فعل أثناء الثورة وماذا سيفعل الآن ، وأنا أنظر إليه ، لم أعى كثيراً مما قال ، لكننى كنت سعيداً بحديثه سعيداً بحماسه ، وبإحساسه ، لو نظر إلينا أحد لظن أننا أصدقاء حميمين نتحدث فى أمور خاصة جداً ، لن يتخيل أحد أننا زميلان لم نلتق منذ عشرات السنين ، إستاذنته أن أنصرف لبعض شئونى على وعد بالإتصال والتواصل ، إنصرفت وأنا لا أعلم .. لماذا أنا سعيد هكذا؟
واليوم كنت أفتح صفحتى على الفيسبوك كعادتى ، فوجدت طلب صداقة ، قرأت الإسم ؟؟ إنه زميل دراستى فى المدرسة , ليس نفس الشخص ، وإنما زميل آخر ، كان أقرب إلى نفسى وقتها ، وكنا أصدقاء حميمين أثناء الدراسة ، هذه المرة لم اشعر بالسعادة فحسب ، ولكن السعادة هزت نفسى بعنف ، وأسرعت إلى صفحته لأتأكد من هويته ، نعم هو.. صديق صباى .. ربما تغيرت بعض البيانات ولكنه هو ، فأسرعت إلى الرسائل لأبعث أليه رسالة ترحيب ، ولأخبره كم كانت سعادتى للقاءنا ، حتى وإن كان لقاءً عبر الأثير ، أو عبر أسلاك الانترنت .
تُرى لماذا كل هذه السعادة ؟ أهى ذكريات أيام جميلة ؟ أم هى الزمالة والصداقة الخالصة من كل شائبة ومن كل مصلحة ؟ أم هو إحساس الصبا النقى الذى تذكره قلبى وهز مشاعرى ؟
ربما .. وربما أسباب أخرى كثيرة ، ولكن تبقى حقيقة واحدة أن المشاعر الإنسانية النقية ، هى أجمل مافى الحياة .

لحظة حياة


سار فى نفس الطريق الذى يسلكه كل يوم وهو ذاهب الى عمله ، نفس الوجوه  ، نفس الملامح ونفس الأحداث ، وكأنه مشهد مكرر من فيلم قديم ممل شاهده مئات المرات ، نظر الى ساعته .. اسرع الخطى .. الشيئ الوحيد الجميل فى هذا المشهد المتكرر أن يراها !!!
 تلك اللحظات التى لايمل من تكرارها ، بل أنه يتمنى لو ظلت تتكرر بلا انقطاع ، يتمنى لو يتوقف الزمن عند تلك اللحظات ليعيش فيها الى الابد .
وفى الموعد تماماً أطلت من باب بيتها ، سارت بخطوات حالمة نحو وجهتها ، إقتربت منه .. ابتسم ابتسامه تحمل فى طياتها كل معانى الحب والشوق ، وتحركت قسمات وجهه فى رفق لتحكى أجمل قصص الحب ، وتصور أسمى درجات السعادة .
نظرت إليه برقه ، ومالت بشفتيها فى نعومة لترسم ابتسامة ساحرة كانت كفيلة بأن يتلاشى معها كل شيئ .. الشارع .. الناس .. الضوضاء  ، حتى أنها كانت كافية ليتوقف الزمن و تختفى الدنيا تماماً فلا يرى إلا تلك الابتسامة العذبة الرائعة .
ثم تعلوا الضوضاء ، وتدنو الدنيا ، ويبدأ الزمن فى التحرك ببطء فيعرف عندها أنها قد رحلت وسارت فى طريقها. 
فيعود للوجه عبوسه ، ويعود اليه الملل من التكرار ، وتلاحقه الهموم من جديد . ولا يجد إلا الانتظار لليوم التالى ليتجدد المشهد ثانيةً ويراها ويعيش تلك اللحظة النادرة التى هى فى حقيقة الأمر .. العمر كله .. والحياة نفسها . 


رابط المقال المنشور فى موقع مصراوى 

خلجات روح


منذ أن كتبت آخر كتاباتى بعنوان " عندما تختنق الروح " لم أعد أستطيع الكتابة ، تغيرت نظرتى للكثير من الأمور ، بل تغيرت نظرتى للدنيا كلها ، وكأن الغشاوة قد إنجلت عن بصرى ، بل دعونا نقول أن الغشاوة قد انجلت عن بصيرتى  فلم أعد أشعر أنى كيان  مستقل ، إننى اشعر الآن بأنى كيان مرتبط بكيانات أخرى ، نحن متلازمان مرتبطان ، بل نحن متلازمون ومرتبطون ، فنحن لسنا إثنين فقط روح وجسد ! بل نحن روح .. وقلب .. وعقل .. وجسد ، كيانات مرتبطة تتحد أحيانا , ونجد أنفسنا ننفصل فى أحيان أخرى ، نتحرك كوحدة واحدة فى بعض المواقف ، وينتحى كل منا منحى منفرد فى مواقف أخرى .
لم أعد أرى نفسى  حراً ، ولم أعد أشعر بأنى صاحب القرار الأوحد ، وصاحب الرأى الأول والأخير فى حياتى .
لكنى عندما أقول أنا !!!
فأنا وقتها أقصدنى أنا !!!
فأنا روح هائمة فى ملكوت الله ، أسبح فى أفق فسيح ، يحدنى هذا الجسد القميئ العاجز ، يرتب تصرفاتى هذا العقل المحدود الإداراك ، ويحاول القلب جاهداً أن يحررنى ولكن دون جدوى . 
انا روح .. أقضى بعضاً من وقتى فى هذا السجن الصغير الذى تسمونه الجسد ، وأقبع فى ذاك السجن المحدود الذى تسمونه الدنيا ، وعنما يحين موعد الرحيل أتحرر من هذا السجن وذاك ، لتعود لى حريتى من جديد وأسبح فى ملكوت الله الواسع .
ولكن هذا السجن وهذا الإختبار هو ما سيحدد هل أسترد حريتى بحق ، أم أن بعد السجن حسرة وندامة .
أعوذ بالله من عذاب بعد عذاب ، ومن جحيم بعد ضجر ومهانة .
الآن أصبحت أرى حقيقة الأمور ، أصبحت أرى الصورة بوضوح وعمق ، أصبحت أعرف من أكون وما أريد .
ربما أستطيع أن أعطى لروحى بعضا من الحرية بعد أن عرفت من أنا وكيف أعيش ، ربما أستطيع أن أنعم ببعض الانطلاق اذا أطلقت العنان لبصيرتى ، واذا إستحضرت  كامل طاقتى , ربما استطيع وقتها أن أجعل روحى تسود وتقود ، ربما ليس طوال الوقت ولكنى أستطيع أن أقود هذه الكيانات التابعة معظم الوقت .
رباه !! هذا الجسد الضعيف .. ساعدنى ياربى لأُخرج أجمل ما فيه , ولأستحث كل مالديه من عزم حتى أستطيع أن أحيا تلك الأيام البائسة .
الآن .. أنظر الى هذا الجسد المتعب ، يريد الآن أن ينعم ببعض الراحة بعد عناء يوم طويل , لكننى لازلت نشيطا !! أريد أن أنطلق !! أريد أن أهيم !! أريد أن أطوى الأرض جيئاً وذهابا ، أريد أن أبعث فى هذا العالم الكسول نشاطاً وحركة ، طاقتى لاتنتهى !! ولكن جسدى خارت قواه ولابد لى أن أقبع فى هذا الفراش كى أختنق .. وأختنق .. وأختنق .. ثم أذهب إلى عالمى ، عالم الأرواح  ، أتجول فيه قليلاً .. حتى يسترد هذا الجسد بعض قواه ، ثم أعود إليه من جديد لنقضى يوماً آخر فى هذا العالم الغريب .

خفقات قلب

جاء المساء ولم يعد هناك مفر من مواجهة تلك المشاعر التى تصارعت فى  صدره طوال اليوم بل طوال أيام مضت جلس وحده وسط الظلام .. شعاع خافت يأبى أن يخبو الى الأبد يأتى من بعيد وكأنه صديق قديم عاد من سفر طويل ليلقى صديقه الحميم .
أغمض عينيه وأطلق زفرة حبيسة كادت أن تختنق فى صدره ، وراح يتساءل !! ماذا يحدث ؟؟ لماذا أنا وسط هذا الخضم الهائل من المشاعر المتضاربة المتداخلة ؟ لماذا أشعر بكل هذا الشجن ؟ ألست أنا من تشدق طويلاً بالمنطق ! ألست أنا من رفع لواء العقل .. ومن إستهان طويلاً بمن تبع قلبه ولم يستمع لصوت عقله !
لماذا أنا الآن لا أقوى على تحمل هذه الخفقات المجنونة ! لماذا ينفطر قلبى ؟ هل هو الفراق ؟ هل هو القلق ؟ ألم أكن أعلم أن قلبى يحمل له كل هذا الحب ! ألم أكن أعلم أن عينى ستشتاق إليه .. ونفسى ستتوق لقربه .. وقلبى لن يهدأ أبداً وهو بعيد !! 
بقدر ما أنا سعيد لاننى إخترت له الاصلح بقدر حزنى لانى إخترت لقلبى الاصعب .
إخترت الفراق طواعيةً ، فياربى هل بعد هذا الفراق من لقاء ؟؟؟