جرح لم يندمل

قطة جميلة ساقتها الأقدار إلينا وعمرها أسابيع قليلة ، عاشت معنا وأحببناها وكانت هى - بطبائعها الفريدة التى تشير إلى سلالتها الراقية - تجعلنا نزداد لها حباً وإعجاباً .
وفى يوم كان ولابد أن نذهب بها الى طبيب ليعطى لها التطعيم اللازم ، ويومها ذهبت معها ، وما أن شرع الطبيب فى عمله ، إذا بها تتحول إلى مخلوق آخر غير قطتى الصغيرة الحبيبة ، تحولت إلى مخلوق عنيف يتملكه الخوف ، يتحرك فى جزع ، وتتسم أفعاله كلها بشراسة منقطعة النظير . حاولت أن أمد يدى إليها لأطمأنها ، لكنها رفضت !! حاول الجميع السيطرة عليها دون جدوى ، فتقدمت نحوها وأنا أنظر فى عينيها لتطمأن لى ، ومددت يدى أمسح على رأسها الجميل ، فاذا بها تبتدرنى بضربة قوية من يدها الصغيرة ، عجبت يومها لقوتها . ولكنى لم أهتم ودنوت منها فى حب ومدت يدى ثانيةً وأنا اهمس لها علها تفهمنى ، فاذا بها تلك المرة تخرج مخالبها فى قسوة وتطعننى فى معصمى طعنة نجلاء نفذ ألمها الى قلبى قبل أن ينفذ الى عروق يدى لتنساب دمائى غزيرة
 هالنى الموقف .. لم أكن أتخيل يوماً أن حبيبتى الصغيرة الرقيقة يمكن أن تدمينى !! تعجبت وكان الأعجب هو رد فعلى !! فأنا لم أفقد حبى لها ، ولا تعاطفى معها ، ولم ألقى عليها اللوم ، بل أخذتها بعد أن هدأت وعدت الى البيت ، فاذا بها تأتينى وتمسح رأسها فى رجلى كما أعتادت دائماً وكأن شيئاً لم يحدث .
مكثت أيام كثيرة افكر فى هذا الموقف الذى بدا غريباً من وجهة نظرى ، لماذا عندما شعرت بالخوف لم تاتينى وتحتمى بى ؟ لماذا عاملتنى بقسوة وعنف كما عاملت الباقين ؟ ولماذا لم توغر صدرى بفعلتها ؟ لماذا ظللت أحبها والتمست لها كل الاعذار؟ حتى أن أصدقائى عندما كانوا يسالوننى عن هذا الجرح الغائر فى يدى ، كنت أتعلل ببعض الأسباب وأستنكفت أن أنسب لها هذا الفعل ، وكأنى أشفقت عليها من تحمل لوم الناس .
 ومرت الأيام والسنين .. وأندمل جرح يدى، ولازال جرح قلبى لم يندمل .. ولازلت أتألم كلما تذكرت كيف أن صغيرتى الحبيبة نشبت مخالبها فى أنسان طالما أحبها بل هو أكثر من أحبها فى هذه الدنيا.

الواقع



عندما كنت صغيراً كانت أمى تقول لى : لاتذهب الى أصدقائك كثيراً حتى لايملوا منك ، وعندما أصبحت فى الجامعة كان الشباب يتحدثون كيف أنهم يتجاهلون الفتيات ليزداد إنجاذبهن لهم ، وعندما صرنا أصدقاء فتيان وفتيات كنت أستمع الى أحاديث الفتيات وكيف أنهن يلاحظن نظرات الشباب لهن ويصطنعن الأستياء وهن فى الحقيقة يستمتعن بتلك النظرات ، بل ينتظرن أن تتحول النظرات الى كلمات ، ولكن ما أستوقفنى بالفعل أن بعضاً منهن كن يردن التحدث الى شاب معين وبالرغم من ذلك يشعرونه بعدم الاهتمام . 
وفى بداية حياتى العملية وفى إحدى الاجتماعات وجدت مديرى فى العمل يعاتب أحد الزملاء قائلاً لاتصادق العملاء لأنك إن صادقتهم لن يهتموا لأمرك ، فاذا جاءهم المنافس بعرض جيد سيقبلون العرض وهم يعلمون أنهم لن يخسروك ، لأنكم ببساطة .. أصدقاء !
ومرت السنون ، ومر على الكثير والكثير من المواقف المشابهة ، واليوم أتوقف .. وأسترجع كل ما مضى ، أسترجع كل ما رأيته بعينى وكل ما سمعته بأذناى ووعاه عقلى ، وسألت نفسى سؤال ..عندما يقول لك صديق :" أنت أنسان طيب " ، عندما يعلم صديق لك أنك تحبه حقاً ، هل معنى ذلك أنه لن يهتم لأمرك ؟ هل سيكون أهتمامنا فقط بالأشياء والأشخاص البعيدة عن سلطاتنا ؟ والتى لم تتمكن منها قبضتنا ؟ ولانهتم بالاشخاص الذين نستشعر حبهم ، و نضمن ولاءهم ، ونشعر أننا فى قلوبهم ، ونعلم أنهم لن يتخلوا عنا أبداً ، وبالتالى نتعامل معهم على أنهم رصيد مجمد ندخره لوقت الحاجة فقط !
عشت عمرى أرفض هذه المفاهيم ، ليس فقط أرفضها ، أيضاً أرفض أن أعترف أنها ضمن نظام الكون ، أرفض أن أعترف أنها مسلمات موجودة بالفعل سواء شئنا أم أبينا .
ولكننى اليوم عدت أراجع  نفسى ، فربما لاتكون هذه المفاهيم صحيحة ، ولكنها واقع بالفعل .. فالشر نفسه واقع نعيشه ونراه .
ولكنى لازلت أرفض أن أعيش هذا الواقع ، لازلت أتعامل مع أصدقائى بطبيعتى دون أن أخاف أن يملوا منى ، لازلت أصادق كل الناس .. من يربطنى بهم العمل ومن ليسوا كذلك ، لازلت أبوح بحبى وأهتمامى لمن أحب دون أن أخشى أن يضعنى فى صندوق كتب عليه : "محفوظ لحين الحاجة اليه " لازلت أفعل ذلك ، وسأظل أفعله ماحييت ، حتى لو كنت أعلم أن كل ماقيل لى فى حياتى هو الواقع ، فلن أعترف به ولن أعيشه .

هى الدنيـــا


بعض الناس نلقاهم بغير قصد - مصادفة - ومع الأيام نعتاد وجودهم ، نراهم قليلاً أو كثيراً ، لا نفكر فى ذلك إطلاقاً ، وبين الحين والحين نتذكرهم وننظر حولنا فنجدهم ، ربما نشعر وقتها بالراحة ، أو ربما نشعر بأن الأمور كما هى - تسيرعلى مايرام - وأحيانا أخرى ننظر حولنا فنلحظ غيابهم ، فنسأل عنهم ونطمئن أنهم بخير ، ولكن لانفكر فى الأمر كثيراً ، حتى يأتى ذلك اليوم الذى نلحظ غيابهم ، فنتفقدهم وننظر حولنا فلا نجدهم ، ونتعجب !! منذ متى غادرونا ؟؟ ولماذا ؟؟
نشعر وقتها بالضيق - للحظات قليلة - ثم نلتفت ونعود إلى حياتنا ونتمتم : تلك رغبتهم ، وإن بدا الأمر غريباً .
وتمر الأيام وكلما تذكرناهم ، عرفنا أن هذا الضيق لم يبرحنا ، ونتعجب !! لماذا ؟؟
لماذا كل هذا الضيق ؟ ولماذا غادرونا برغبتهم ؟
ولماذا دائماً يجب علينا أن نلتقى باشخاص ثم نغادرهم أو يغادروننا ؟
وهنا ..
تنحسر الراحة التى نعمنا بها طويلاً ، ويجتاح قلوبنا ذاك الألم الذى لم نتحمله يوماً
وبين هذا الأنحسار وذاك الأجتياح ، تتحرك ألسنتنا بكلمات قليلة تنساب من شفاهنا بصعوبة ونقول : نعـم هـى الدنيــــــا .. 

ليلة أخرى باردة ..


فى ليلة شديدة البرودة ، كانت السماء تمطر بغزارة والرعد يزأر بعنف فتسرى فى جسده قشعريرة لايدرى سببها أهى من برد الشتاء الطويل أم أنها من ذلك الصوت الرهيب الذى يزلزل الأرجاء ، ربما كلاهما معاً ، ولكنه فى كل الأحوال يشعر بالرهبة بالوحدة .. بالخوف  .
جلس وحيداً يتأمل سلاسل المطر وهى ترتطم بعنف بنافذة حجرته ، ضوء خافت يأتى من بعيد من بين فتحات النافذة المقابلة على مرمى بصره ، تلك النافذة بالذات التى لم يلتفت بصره عنها، لم ير بصيصاً آخر من النور فى هذا الظلام الحالك سوى هذا القدر الضئيل من الضوء الذى يتسلل خلسة من بين فتحات تلك النافذة .
مرت الدقائق بطيئة وتبعتها الساعات طويلة ولازال ينصت لصوت المطر ، وقرع الرعد ، ويتأمل بصيص الضوء .
كان هذا الضوء هو أمله الوحيد فى تلك الحياة ، كان هذا الضوء الخافت يخفى وراءه نور ساطع ، لايسطع فقط فى تلك الحجرة البعيدة ، وإنما يسطع أيضاً فى ظلام قلبه ، قلبه الذى تجمد من فرط إحساسه بالوحدة والحرمان ، تماماً كما تجمدت أطرافه من برودة الليل والشتاء .
كانت هذه الغرفة هى محط بصره ، ومنتهى أمله ، وقمة أحلامه ، كانت تتدثر فى هذه الغرفة فتاة أحلامه ، ومهبط روحه ، وملاذ قلبه ، قلبه الذى فطره الحب ، وأنهكه العشق والشوق .
لفلف حوله غطاء ثقيل ، وتكوم فى فراشه وأغمض عينيه ، ولازال بصيص الضوء يصله من تحت جفونه التى أثقلها النوم ، وأنهكها السهر والفكر ، وراح فى نوم عميق ، لينتهى يوم آخر وهو عن حبيبته بعيد .

لمن نشكوا !


قرأت أكثر من مشاركة تحمل نفس المعنى  " لاتشتكى لأحد ، فقط أشكوا إلى الله " وتتنوع التعبيرات حول نفس المعنى " لو لم يشعر بك أصدقاءك فتوجه إلى الله "
مشاركات كثيرة تدور كلها حول نفس المعنى ، لا تتوجه إلا لله .....
فى البداية لم أشعر بالراحة .. ولكنى لم أعرف لماذا ؟ رغم أن المعنى  حقيقى .. نحن لا نتوجه إلا لله .. ولا نطلب إلا من الله .. ولا نشكوا أوجاعنا إلا لله .
وبعد كثير من التعمق والتأمل .. وجدت ضالتى .. حقيقةً نحن لانشكوا إلا لله ولا نتوجه إلا لله ولا نطلب حوائجنا إلا من الله .....ولكن ذلك يكون بقلوبنا .. ولكن هناك أسباب أمرنا الله أن نأخذ بها .
تذكرت حديث للأستاذ / عمرو خالد عن " التوكل على الله .. " وهل التوكل معناه التوقف عن السعى ؟ طبعاً لا ..
إذاً فكيف نأخذ بالأسباب ونتوكل على الله فى نفس الوقت ؟؟ 
كان رد أستاذى / عمرو خالد على ذلك بمثال بسيط ..
 قال : " إذا كنت تبحث عن عمل وكان أحد معارفك بإمكانه أن يساعدك .. إذهب اليه وخذ بالأسباب .. ولكن إياك وأنت تطلب منه العون أن يكون فى قلبك أنه صاحب العطاء والمنع .. انما هو سبب .. قلبك يرجوا من الله ويتوكل عليه ويعرف أن الله وحده بيده أن يعطيك أو يمنعك .. ولكن هذا الرجل الواقف أمامك ربما يكون سبب فى رزق الله .. إذا أراد الله ذلك "
كان هذا مضمون ماقاله الأستاذ / عمرو خالد فى التوكل على الله
ولى قصة شخصية فى هذا الموضوع .. فقد كنت يوماً فى ضيق شديد .. وأخذت بالأسباب مجتهداً بلا جدوى .. وفى يوم قابلت صديقاً قديماً لم أره من ٢٥ سنة .. حتى أنى لم أعرفه لأول وهلة .. وعرفنى هو .. وكان سبباً فى تفريج ما بى من كرب فى ساعات قليلة .
الله الرحمن الرحيم .. جعل لنا أصدقاءً وأحباباً وأزواجاً وذرية .. ليكونوا سبباً فى تخفيف آلامنا .. وقرة أعين لنا .. فلكم نشتاق إلى حبيب أو صديق مقرب عندما تضيق نفوسنا .. ونتمنى فقط همسة حنونة من شفاههم .. أو نظرة حب فى عيونهم .. أو مشاعر دعم صادقة من قلوبهم .. تشعرننا أننا فى أمان وأن الدنيا ليست موحشة كما تبدو أحياناً .. كل ذلك ربما يحدث بعد تضرع بدعاء الى المولى سبحانه .. أو ركعتين تسيل دموعنا فى سجودهما .. ونستشعر أن قلوبنا مع الله ورجاءنا لله .. ثم نجد الحب والأهتمام من أقرب الناس إلينا .. فنعرف كم أنعم الله علينا إذا حبانا بهم فى الدنيا .. ونعود لنتضرع إلى الله أن يجمعنا بهم فى الجنة

شجن وذكريات


بخطوات بطيئة ثقيلة كان يقطع ذلك الطريق ، هو المكان نفسه الذى شهد أحداثاً متناثرة بطول وعرض عمره الفائت ، تلك البقعة بالتحديد شاركته أحزانه وأشواقه ، ذاك الجدار المنخفض الممتد على مرمى البصر لازال يحجب هذا البحر الغاضب وكأنه طوق ضعيف يحاول جاهداً أن يكبل ثوراً قوياً أشتد به الهياج.
كان الهواء البارد يلفح وجهه ورذاذ البحر المائج يستدعى ذكرياته ، ويستدعى معها كل أشجان السنين ، وقف ينظر الى الأفق الغائم ، يستنشق الريح العاصف ، يحدق فى الموج الماجن ، وقف يتساءل ؟ هل الحالة التى  يعيشها هى حقيقة بالفعل ؟ أم أنه يصر أن يعيشها ليثبت لنفسه أنها الحقيقة ؟
هل تلك الأفتراضات الرومانسية المفرطة قابلة حقيقةً للتطبيق ؟ أم أنها محض إفتراضات ؟ 
أحيانا يجد الواحد منّا نفسه مندفعاً خلف شيئٍ ما ، وبعد أن يجرى خلفه طويلاً يتوقف فجأة ليسأل نفسه هل هذا الشئ - هل هذا الهدف - هو حقيقة بالفعل ؟ أم أنه الوهم بعينه ؟ هل يجرى وراءه لأنه يرى الأمل يلوح فى الافق ؟ أم أنه سراب وأوهام ؟ أم هو يجرى فقط ليثبت لنفسه أن هذا الشيئ موجود بالفعل ؟
هكذا وقف يناجى البحر المظلم ويسأله ..
هل حقاً نستطيع أن نعيش بلا ضغينة ؟ هل حقاً نستطيع أن نتعامل بشفافية ؟ بوضوح ؟ هل نستطيع أن نتحدث بمكنونات نفوسنا دون أن نخشى ظناً أو سوء فهم ممن حولنا ؟  و هل نستطيع أن نعمل  سوياً دون أن نتنازع السبق أو نستأثر بالرأى أو نفقد الإيثار؟ 
هل نستطيع أن نحتفظ بصفاء نفوسنا ! ونقاء قلوبنا !  وعذوبة ألسنتنا !  وجميل أفعالنا ! وبشاشة وجوهنا !  وطيب نوايانا! 
واذا هو كذلك ، جاءه طيف صديق قديم كان يحلم نفس الحلم معه فى هذا المكان منذ سنوات طويلة ، لكنه رحل عن الدنيا ولم ير حلمه يتحقق ، كان كثير الاندهاش من هذا الكذب والغدر ، من تلك الخيانة والانانية التى يراها ليل نهار ، رحل الصديق ذو القلب الطاهر بعد أن عاش عمراً قصيراً وهو غريب فى تلك الدنيا ، يحلم بيوم يغتسل الناس فيه من أدرانهم ، ويعودوا كما أراد الله لهم " يتوادون ، ويتعاطفون ، ويتراحمون ، وكأنهم جسد واحد ، لايهنأون الا اذا كانوا جميعاً سعداء" .
تُرى هل قُدر له أن يرى حلمه ؟ أم أن مصيره مثل مصير صاحبه ؟  
ورد البحر بزأره عاليه ، وموجه إرتطمت فى غضب بهذا الجدار البائس ، فتناثرت أشلاءها فى كل مكان ، ووقف هو صامتاً لايعلم أى القطرات دموع عينيه وأيها بقايا موجه حطمتها كلماته .