قيـــم وقنــــاعات


عندما كنا صغاراً كان الأهل يغرسون فينا قيمهم ، ليست قيمهم فحسب ، ولكن أيضاً أفكارهم وقناعاتهم .


كنا حينها نراها حقائق كونية غير قابلة للنقاش أو التكذيب ، غير قابلة حتى لمجرد التفكير فى صحتها أو مناقشتها .

وعندما كبرنا قليلاً وأختلطنا بأص
دقاء لنا ، ربما من بيئات مختلفة ، وربما نبتوا على قيم وأفكار تختلف قليلاً عما نبتنا وتربينا عليه ، كانت هذه أول مواجهة لقناعاتنا مع العالم الخارجى ، ذاك العالم الذى يقبع خارج حدود أسرتنا الصغيرة ، ولكننا وقتها كنا لانزال تحت قبة هذا العالم الصغير جداً فى الواقع والذى يمثل لنا العالم بأسره ، العالم الذى نعتبر أن أى شيئ دونه هو عالم من الفضاء الخارجى ، هذا هو عالمنا الذى نشأنا فيه وغرس فينا قيمنا وعشنا تحت تأثيره زمناً طويلاً . 



حتى اذا تشككنا بفعل الاصدقاء فى بعض قناعاتنا وقيمنا ، هرعنا الى اهلينا وواجهناهم بتلك الاعتراضات والتشككات ، وكان لديهم وقتها كل الحجج والبراهين على أن قناعاتنا هى الصحيحة ومبادئنا هى القويمة وان كل ما عدا ذلك هو انحراف عن الحق وخروج عن الفضيلة .

لم تكن حججهم قوية ، ولم تكن براهينهم دامغة ، ولكننا كنا نريد ان نصدق ، كنا نريد ان نشعر اننا على صواب ، نحن فقط الحق المطلق .. وكل ماعادانا اما حق تشوبه الشوائب ، او هو باطل يرتدى ثوب الحق .

ومرت اعوام اخرى وكبرنا لدرجة جعلتنا نملك زمام امورنا ، ولا زلنا على قيمنا وقناعاتنا حتى بعد ان خرجنا من شرنقة الاهل، وبدانا نحن ننسج شرنقتنا الخاصة ، ونصيغ نفس القيم ونفس القناعات التى تربينا عليها ، ربما زدنا عليها قليلاً ، وربما اعدنا صياغة بعضها بلغة اليوم ، وربما اضفنا عليها بعض لمساتنا الشخصية ، ولكنها بقيت هى نفس القيم ونفس القناعات .

وبدأت قراءاتنا تتنوع ، وبدأ نطاق معرفتنا بالناس يتسع ، وبدأنا ننفتح اكثر واكثر على عوالم جديدة ، وكلما اصطدمت افكارنا بما نراه ونسمعه حولنا كلما اتسعت الفجوة بين ما نبتنا وتربينا عليه وبين ما نراه ونلمسه ممن حولنا ، ولكننا بقينا مؤمنين بما غرسه الاهل فى نفوسنا ونحن نبتة صغيرة غضة فى مقتبل عمرنا .

ولكن .. بعد ان اختبر الزمان عزمنا ، وبعد ان نضجت بالتجارب والخبرات عقولنا ، وبعد ان تجاوزنا العقد بعد العقد ، حتى صرنا على مشارف عقود الحكمة ، آن لنا أن نقف وقفة مع تلك الغروسات القديمة .

جميلة هى القيم .. مخيفة هى القناعات 

عظيمة هى المبادئ .. مضللة هى الثوابت

لم يكتف أهلنا بغرس القيم والمثل العليا فى قلوبنا الصغيرة ، تلك القيم المستقاه من نبع كلام الجليل ومن سيرة سيد المرسلين .

ولكنهم غرسوا معها ، قناعات وأفكار وانطباعات وآراء ورؤى خاصة بهم .

وفى هذا السن الصغير ، وفى تلك الفترة الحرحة من العمر التى يكون فيها الطفل كلوح اردواز خالى تماما من اى نقوش ، نقشوا مبادئ وقناعات وقيم وآراء فلم نستطع نحن ان نفرق بين المطلق والنسبى ، بين الثوابت والآراء ، وكلما اشتد عودنا اشتدت صلابة لوح الاردواز ، فصار كالحجر وصار ما نقش عليه جزء منه لا يمحى الا بتكسير الحجر .

لازلنا حتى الآن نخلط بين المطلق والنسبى ، بين الحقائق والثوابت التى لا تتغير ولا يحوز التشكيك بها ، وبين الرؤى والأفكار التى تتباين وتختلف وكل يوم يمر يثبت صحة بعضها وخطأ البعض الآخر .

لدينا مشكلتان آن لنا أن نتصطدى لهما ..

الاولى .. أن كثير مما غرس فينا ونقش فى عقولنا وقلوبنا ونحن صغار هى رؤى وافكار و قناعات تخص اصحابها لا تخصنا نحن .

والثانية .. اننا يجب ان نفرق دائما ونحن نقرا او نسمع او نعى بين ما هو مطلق ثابت وبين ماهو نسبى متغير .

ليس عيباً ان نعرف اننا عشنا عقوداً من عمرنا نتبنى افكاراً خاطئة ، ولكن العيب كل العيب ان نستمر على تلك الافكار او ان تاخذنا العزة ولا نراجع قناعاتنا وافكارنا لمجرد اننا نرفض ان نواجه انفسنا باننا عشنا كل هذا العمر مخدوعين بتلك القناعات

أَشتَاقُكِ اليَومَ

أَشتَاقُكِ اليَومَ تمَامَاً
كـَ كُلِ يَومْ
وَفِى لَيلِى أَيْضَاً
قَدْ جَفَانِى النَومْ
هَكَذَا أَعِيشُ حَيَاتِى
بَينَ سُهدٍ .. وَلَا نَومْ

وَيَمُرُ يَومٌ .. بَعَدَ يَومٍ ..
بَعْدَ عَامْ !
وَيَأتِى لَيلٌ .. ثُمَ لَيلٍ  ..
ثُمَ ظَلَامْ !
فَأسْألُ النَجمَ .. وَأطْيَافَ الأنَامْ
وأبْحَثُ عَنْ
كُلِ نَثرٍ .. وَشِعرٍ .. وَأحلَامْ
أُنَادِيكِى تَعَالِى ..
لَقدْ اشْتَدَ بِىَ الغَرَامْ ..
وَمَزقَنِى بُعدٌ .. وَسُهدٌ .. وَأَوهَامْ

تَعَالِى نُصَالِحُ ذَاكَ الزَمَانْ ..
وَنَفنِى العُمرَ حُباً .. وَهُيَامْ
تَعَالِى نَعزِفُ لَحنَ الحَنَانْ ..
وَنُعِيدُ الآَنَ عَقَارِبَ الأيَامْ
نَعِيشُ مَعَاً فَوقَ المَكَانْ ..
وَنَحلُمُ أَنَنَا عُدْنَا صِغَاراً
وكَأنَ العُمرَ كُلَهُ مَاكَانْ ..
تَعَالِى نُفَسِرُ الأَحْلَامْ
وَنَكتُبُ وَاقِعَاً وَنَختَارُ الزَمَانْ ..

تَعَالِى نُفَتِشُ الذِكْرَيَاتْ ..
وَنَرسُمُ جَنةً مِنْ أُمنِيَاتْ
تَعَالِى نَقتُلُ فِينَا الآهَاتْ ..
نَعِيشُ العُمْرَ نَبْضَاً وَهَمَسَاتْ
وَنَملأُ بِالحُبِ عُرُوقُنَا رَعَشَاتْ ..

تَعَالِى نُشْعِلُ فِينَا الحَنِينْ ..
وَنُطفِئُ شَوقَاً كَوَانَا سِنِينْ
تَعَالِى نَنْسَى كَيفَ كَانَ الأَنِينْ ..
وَنُسْمَعُ الدٌنيَا مِنَ الضَحِكِ الرَنِينْ

تَعَالِى نَعِيشُ العُمرَ سَوِيَا ..
وَنَرجُوا أَنْ يَكُونَ لَهُ بَقِيَه !


Wael 

حلم الحياة

حائر هو .. مشاعر كثيرة تختلط فى صدره .. يراه الناس شارداً .. يبدو عليه الحزن وفى عينيه ألف سؤال .. جلس إلى نفسه .. أغمض عينيه .. ترك روحه تتبع تلك النغمات البطيئة الناعمة .. راحت تتبعها فى أفق بعيد .. بعيد .. بعيد عن هذا العالم الذى يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم .. كلما ظن أنه أعتاد عليه ، وعرف أسراره ، وتعلم كيف يتعايش معه ، وجد نفسه لازال غريباً عنه ، لازال يجهله تماماً .. ربما هو يرفض أن يفهمه أو يؤمن به .. ربما هو رافض لقوانينه وقواعده ولا يريد أن يعترف بها أو يعيش بها .. ربما .. وربما .. وربما ، ولكن فى النهاية يبقى الحال على ماهو عليه .. هو لا ينتمى الى هذا العالم ولا يرد أن ينتمى إليه .
وراح يسأل روحه التى باتت تحلق فى أفق عينيه المغمضتين .. راح يسألها : ماذا تريدين يانفسى ؟  عما تبحثين ؟ 
تعبتى وأتعبتنى معكى سنين !!  الى ما تطمحين ؟
هل تريدين راحة ؟
فما الراحة الا فى كنف الله هنيهة فى الدنيا وخلوداً فى الاخرة .
فيما تأملين ؟؟ سكينة وأمان ؟؟
ليس هنا يانفسى ما تأملين ، ستبقين روحاً عالقةً فى أفق ضيق ، ولن يتحقق لك ما تأملين إلا فى حياة لاتعب فيها ولا نصب .. لاحزن فيها ولا فراق ولا ألم ..  ليست هنا يانفسى ..  ليست هنا تلك الحياة .
وأخذ النوم روحه بعيداً حيث أراد .. وعاش لحظات لا تقدر بدقائق ولا بساعات .. ربما لحظات قليلة فى عمر الزمان ولكنها حياة كاملة فى عمر الأرواح ..  لحظات حملته بعيداً فى حياة هادئة مريحة بين أرواح ودودة .. الأمان فرشها والحنان دثارها .. الود أرضها والحب سماؤها .. حياة لا حقد فيها ولا ضغينة .
وعاد من رحلته وقد سكنت روحه وهدأت .. وعادت تبرق فى عينيه عندما تباعد جفنيه .
ذلك البريق الذى يراه الناس من حوله فيظنونه جمالاً أحياناً .. أو الثقة أحياناً أخرى .. لكنه فى الحقيقة بريق روحه التى تسكن فى عينيه وتتحين الفرصه لتحلق ثانياً فى السماء حيث كانت تسكن هناك حرة منطلقة فى أبد الآبدين .


Wael Ebrahim

لا تحزن ..






لايليــق بــك أن تحــزن ..

وقد وضعت كل سعادتى ..

عند أطـــراف أصــابعك ..


                     Wael  

يَسألُونَنِى مَن أنتِ ؟


يَسألُونَنِى مَن أنتِ ؟
يَسألُونَنِى لِمَن أكتبُ الكلماتْ 
لِمَن يَنسابُ إحسَاسِى
فأعزفُ بِالقلمِ أَعذَبَ الأنَّاتْ

يَسألُونَنِى عَنكِ
وتَحمِلُ عُيونُهم نَفسَ النظراتْ   
وَكأنَ سُؤالَهم يُخفِى 
سُؤالاً .. تَنأى بِهِ الكَلِمَاتْ

يَسألُونَنِى .. 
وتَحتَجِبُ إجَابَتى
خَلفَ سَيلٍ مِنَ العَبَرَاتْ

مَنْ تَكُونِين ؟ 
مَنْ تَكُونِينَ .. لِيَنتَفِضَ صَدْرِى  
بِكُلِ تِلْكَ الزَفَرَاتْ 

مَنْ تَكُونِين ؟ 
مَنْ تَكُونِينَ .. لِتَهِيمَ رُوحِى إلَيكِ
تُحَلِقُ فـِ السَمَاوَاتْ

مَنْ تَكُونِين ؟
مَنْ تَكُونِينَ ..  لِيَفِيضَ قَلْبِى 
بِسَيلٍ مِنَ الآهَاتْ 

مَنْ تَكُونِين ؟
مَنْ تَكُونِينَ .. لِيجتَاحَ عُروقِى 
مَوجٌ مِنَ الرَعَشَاتْ

هَل أنتِ أمرَأةٌ 
لها جَسدٌ .. وقَلبٌ .. وذَاتْ !
أمْ أنكِ حُلمٌ !!
حَارَتْ فِى وَصْفِهِ اللُغَاتْ ..

لَو يَعلَمُونَ ياأَمَلِى
أَنَكِ مَزْجٌ مِنَ البَسَمَاتْ

لَو يَعلَمُونَ ياعُمرِى
أنكِ زَمَنٌ لم يَأتِ 
وأنكِ كُلُ ما قَد فَاتْ

لَو يَعلَمُونَ يارُوحِى 
أنَكِ نَبضٌ .. وفَيضٌ .. ونَفَحَاتْ

لَو يَعلَمُونَ أنكِ ..
كُلَ إحسَاسٍ عَاشَهُ قَلبِى 
مِن يَومِ مَولِدى .. وَحَتى الَممَاتْ 


Wael Ebrahim