زيارة مكة


اليوم السبت ٢٤ مارس ٢٠١٢ - الساعة الآن السابعة مساءً بتوقيت السعودية
انا الآن بملابس الاحرام فى طريقى الى مكة باقى من الطريق ١٥٠ كم
اتهيأ لرؤية البيت الحرام .. فى كل مرة أشعر وكأنى سأراه لأول مرة .. أحضر الدعاء وأتذكر الأحباب وأشعر أنى على موعد مع ربى .. ألقاه دائما عند البيت فى الطواف . 
اللهم أعنى .. ويسر لى .. وتقبل منى ...



رسالة إلى نزار


أسمح لى سيدى أن أطلق العنان لحروفى كى تبوح بما لم تبح به دموعى .
نعم سيدى .. أحساسك مبدع وكلماتك لها مكان خاص تسكن فيه بين القلب والروح فتحملنا بعيداً بعيداً أبعد من شمس الغروب ، فنحزن لأن الشمس أفلت ونحلم معك بصبح جديد .
سيدى كتبت : مابين حب وحب 
وصفت فى نظمك حب لا أجده سيدى إلا جنون ، وصفته وصفاً دقيقاً و حلمت فى نظمك بزمان تكون فيه المشاعر صادقة مستفيضة  ، وكأنك حلمت بهذا الحلم المستحيل حين تتوقف عقارب الزمن فى لحظات هى فى الزمان حبيسة ، ننزل فيها من القطار لنستقل آخر قد يعود بنا الى الوراء وقد يتقدم بنا عمراً لانعرف كيف مر بنا وضاع ولكن فى تلك اللحظات القليلة التى توقف فيها القطار تراها أنت خمس دقائق تتعرف فيها على ما قد ضاع من العمر وتنتظر عمراً قد ضاع قبل أن يأتى مهما ظننا أننا نعيش طويلا .
وتصبح تلك الدقائق الخمس التى نعيش فيها مع فنجان شاى هى فى الحقيقة كل عمرنا الذى عشناه فى تلك الدنيا الاليمة .
خمس دقائق ياسيدى نشكوا فيها كل أحزاننا و تنقلب فيها دنيانا وينقلب فيها كياننا .
خمس دقائق ياسيدى تكون كفيلة لأن نعرف أن ما نطلبه من الدنيا هو كل الأمانى المستحيلة . 
خمس دقائق تكون كفيلة لأن نعرف فيها الحقيقة ، نعرف فيها أن الحب وهم ، فما بالك بالنفاق وبالخيانة فهل تلك هى الحقيقة ؟
هناك دائماً فجوة فى الزمان نقف عندها لندرك الحقيقة .
هناك زمن لانراه بين حرف وحرف ، هو الوقت الذى ينقلب فيه الوهم ليصبح حقيقة . 
مابين حب وحب .. عرفنا فيه فصل آخر بين الخريف وبين الشتاء عرفنا فيه ياسيدى فصل البكاء لأننا عرفنا فيه الحقيقة ، عرفنا فيه أن كل ما عشناه حلم ، وأن الوهم كان يدعى فى زمننا .. حقيقة  .


(رائعة نزار قبانى )
وما بين حب , وحب
أحبك أنت
وما بين واحدة ودعتني
وواحدة سوف تأتي
أفتش عنك هنا وهناك
كأن الزمان الوحيد
زمانك أنت
كأن جميع الوعود
تصب بعينيك أنت
فكيف أفسر هذا الشعور
الذى يعترينى صباح مساء
وكيف تمرين بالبال
مثل الحمامة ?
حين أكون بحضرة أحلى النساء
وما بين وعدين ....
وامرأتين ....
وبين قطار يجىء ....
وآخر يمضي ...
هنالك خمس دقائق
أدعوك فيها لفنجان شاي ....
قبل السفر
هنالك خمس دقائق
بها أطمئن عليك قليلا
وأشكو اليك همومي قليلا
واشتم فيها الزمان قليلا
هنالك خمس دقائق
بها تقلبين حياتي قليلا
فماذا تسمين هذا التشتت ؟
هذا التمزق ؟
هذا العذاب الطويلا .... الطويلا ؟
وكيف تكون الخيانة حلا ؟
وكيف يكون النفاق جميلا ؟
وبين كلام الهوى
فى جميع اللغات
هناك كلام يقال
لأجلك أنت
وشعر سيربطه الدارسون
بعصرك أنت
وما بين وقت النبيذ
ووقت الكتابة
يوجد وقت
يكون به البحر
ممتلئا بالسنابل
وما بين نقطة حبر
ونقطة حبر
هنالك وقت
ننام معا فيه
بين الفواصل
وما بين فصل الخريف
وفصل الشتاء
هنالك فصل
أسميه فصل البكاء
تكون به النفس
أقرب من أي وقت مضى للسماء
وفي اللحظات التي تتشابه فيها
جميع النساء
كما تتشابه كل الحروف
على الآلة الكاتبة

الوجـــع

فى نفس الطريق الذى يسلكه كل يوم وهو عائد من عمله ، نفس الزحام ، نفس الأرهاق والضجر ، يده تعبث براديو السيارة ، يبحث عن بعض الصحبة ، لعلها تخفف عنه هذا الملل المتكرر ، توقفت أصابعه وهو يستمع الى صوت المذيعة ، كان صوتها هادئا عميقا ولكنه كان خال من كل تعبير أو أحساس ، مد يده ثانية ليبحث عن صوت أكثر دفئاً ، لكنه ما لبث أن توقف ، سمع صوت المذيعة يتحدث عن موضوع شد أنتباهه ، كانت تتكلم عن بعض الأقوال العلمية التى أثبتت أن الأقراص المسكنة لألام الرأس مثل الصداع يمكنها أيضا أن تسكن الألام العاطفية ، تحت عنوان " قرص واحد لتسكين جميع آلامك " أستطردت المذيعة تقول أن العلماء وجدوا أن الآلام العاطفية تسبب أعراض تشبه تلك الأعراض التى تسببها الأمراض الجسدية ، لذلك وجدوا أن الأقراص المسكنة العادية يمكنها أيضا تخفيف تلك الأعراض ومن ثم يمكنها تخفيف الآلام العاطفية .
وعندما عاد إلى بيته توجه سريعا حيث يحتفظ بأقراصه المسكنة ، أخذ ينظر إلى الاقراص وكانه يراها لأول مرة ، وكانه يرى عقارا جديدا تم أكتشافه للتو ، تناول قرصين ، وأنتظر حتى تسكن أوجاعه ، ولكنها لم تستجب .
وفى اليوم التالى ، تناول المزيد والمزيد ، ومرت الأيام والأسابيع ، وهو يتناول الاقراص ويزيد الجرعات ، ولكن أوجاعه لم تسكن ، وتذكر هنا كلمات المذيعة لماذا قالت الالام العاطفية ، لماذا قالت الألام ولم تقل الأوجاع ، كانت المرة الأولى التى يلحظ فيها الفرق بين الكلمتين  ، آلام .. أوجاع .
فالالم .. ربما يكون محتملا وربما لا .. ربما نجد ما يسكنه وربما لا
ولكن .. الوجع .. هو أقوى من ذلك بكثير ، الوجع هو ما يأتى من الداخل ، من داخل القلب والنفس ، ينتشر فيغشى الروح والجسد ، ويتملكها ، يعذبها ويهلكها ، ولا نملك لمقاومته سبيل ، ولا نملك له دواءاً مسكناً ولا نعرف له طبيباً شافياً .
نعم .. ربما تسكن الأقراص آلام الناس .. حتى العاطفية منها .
لكن الأوجاع لا تسكنها الأقراص ، مهما بلغت قوتها ، ومهما بلغت من حجم وتأثير .
 فهل يسكنها الزمن ؟ ولكن كم من الزمان ؟
حتى لو جئنا بساعة كبيرة فى حجم قرص الشمس ، وظلت عقاربها تدور وتدور ، فهيهات أن تسكن الأوجاع .
لا يوجد قرص فى الدنيا يسكن الأوجاع ، حتى لو كان بحجم قرص الشمس ، وحتى لو كان بقوة وعمر الزمان .

21 يوم

وقف أمام المرآة ينظر إلى وجهه كعادته كل صباح ، لم يكن ينظر الى ملامحه وكيف أثر فيها الزمان ، فهو لم يكن يهتم كثيراً بمرور الزمن ولم يكن يخشى أثره على ملامحه .
 كان فقط يخشى أثر الزمن على روحه ، لاننا مهما مر علينا الزمن لانشيخ إلا إذا شاخت أرواحنا .

كان ينظر الى أثر الهموم على وجهه ، كان ينظر الى وجهه ليرى مافعل به الالم . 

ينظر الى عينيه ويراها تحكى كيف تسحق الدنيا تلك المشاعر المرهفة التى أختصه الله بها حتى أنه أحياناً يتسائل : "هل تلك المشاعر الفياضة وهذا الحس المرهف هو نعمة من ربه أم نقمة أراد الله أن يعذبه بها ؟ " .

ولكنه ما يلبث أن يستغفر الله ويشكره على تلك النعمة ويتمتم بحمده كثيراً فلم يكن ليتخيل أن يعيش فى تلك الدنيا بلا هذا القلب النابض ، وبغير هذا الحس المرهف الذى مهما عذبه فهو فى النهاية الشيئ الوحيد الذى يشعره بأنه حى يرزق .

ولكنه اليوم عندما نظر الى عيني نفسه فى المرآة كانت نظرته أعمق وأكثر إختلافاً عن نظرة كل يوم ، كان اليوم يريد أن يحدث نفسه قليلاً ويقف وقفة يراجع فيها الكثير من أفعاله وعاداته ومشاعره وقناعاته .

كان يريد اليوم أن يُقيم عاداته ويعرف أى منها قد تملكه ، وأى منها مازال هو يملكه .

كان يريد أن يُقيم مشاعره ويسألها : هل أصبحت هى تملكه ، أم مازال هو يملك زمامها .

ربما لايتحكم بها كثيراً .. فمشاعره كالبحر الواسع أحياناً تعلو أمواجه فتعصف به عصفاً ، وأحياناً أخرى تصفوا مياهه فتحمله الى عالم الجمال والخيال ، الى عالم تتحقق فيه الأحلام  .

وهو فى الحالتين لا يستطيع التحكم فى هذا البحر وفى رياحه الهوجاء تارة والناعمة تارة أخرى ، ولكن الخيار الوحيد له أن يكون جزءاً من هذا البحر ، الخيار الوحيد أن يجاريه .. ويماريه حتى يستطيع أن يظل على سطح تلك المياه العميقة ويحافظ على مساره وطريقه مهما تغير مزاج هذا البحر الغامض .

كانت تلك هى مشاعره .. نعم يحبها ويعيش فيها ولكنه يرفض أيضا أن تفقده الطريق والارادة والتوجه .

عرف وهو ينظر فى عينى نفسه عبر المرآة أنه يحتاج الى وقفة ، يحتاج لتصحيح بعض المسارات ، يحتاج للسيطرة على بعض خيوط نفسه التى تفلتت منه فى أوج عواصف هوجاء تهب من دنيا يعيش فيها ، وتعصف من مشاعر يعيش بها .

كان الحل فى أيام قوامها إحدى وعشرون يوماً ، تلك الأيام هى وحدها الكفيلة بأن  تفك أسرنا من عادة تملكتنا ، و رغبة إحتوتنا و مشاعر إجترفتنا و دنيا عصفت بنا فالهتنا عن غايتنا وحادت بنا عن طريق أرتضيناه لأنفسنا  .

إحدى وعشرون يوماً .. نتوقف فيها عن أشياء صرنا نفعلها رغماً عنا ، عن عادات صارت أقوى من إرادتنا ، عن أشياء أُغرمنا بها لدرجة جعلتنا لا ندرى أنها تسلبنا حريتنا .

وبعد إنقضاء تلك الفترة القصيرة زمناً .. الطويلة ألماً ومعاناةً ووجعاً سنكون قد تحررنا مما يمتلكنا ، ونستطيع وقتها أن نصحح مسار حياتنا ونستعيد السيطرة على عاداتنا وأفعالنا ونملك ثانية زمام أمورنا ، بل ونستطيع أن نتحكم فى مقدراتنا بالقدر الذى سمح الله به لنا .

أوراق تتساقط

أرانى كشجرة وارفة الظلال ، متشابكة الأغصان ، كثيفة الأوراق ، وكل ورقة فى غصنى هى صديق مر بى على مدار عمرى فعرفته وعرفنى ، أرتبط به جزء منى ، أكسبنى تلك الخضرة التى تزيننى ، ومنحنى ذاك الظل الذى يميزنى ، أعطيته أنا من رحيق جذعى ، ومنحته عصارة نفسى ، وظللت أحفظه وأحبوه مابقى لى من عمرى .

ولكن بعض الأوراق تسقط من حين إلى آخر ، فينظر الناس إليها ولا يأبهون ، ويقولون ماذا يضير تلك الشجرة الوارفة العامرة بالاوراق الزاهية لو فقدت بعض أوراقها !

مخطئون .. كل ورقة تسقط عنى هى فى الحقيقة بعض منى ، قد كانت لى يوما كل الحياة ، ترقبتها وهى تنمو صغيرة ، غذيتها حباً وحناناً وأهتماماً حتى صارت خضراء غناء جميلة ، وها هى تسقط اليوم فتأخذ معها بعض أيامى ونفسى .

حتى الأوراق الصفراء البالية التى يظن الناس أنها ترهقنى ، وتستنفذ غذائى وتقتلنى ، هى فى الحقيقة جزء منى .. ولولا أنها قررت هى الرحيل عنى ، ماتركتها أبداً . فهى أيضاً عزيزة على نفسى ، فقد كان بيننا أيام وصال ولحظات فضل وقرب ووئام .

مهما تكاثرت الأوراق فى أغصانى سأظل أعتصر ألماً من فراق بعض أوراقى ، و سأظل أحيا خائفاً من خريف يعصف بى فتتساقط عنى بعض ماتحمله أغصانى .