الخوف

منذ أيام كنت أقود على طريق سريع ، فى منطقة خالية تماماً من العمران ، وكان الظلام دامساً ، كنت منهكاً من يوم عمل طويل ، وشعرت بأعراض إنخفاض فى ضغط الدم .
حتى تلك اللحظة كنت متمالكاً لنفسى وحواسى ، حتى زارنى هاجس : ماذا لو كنت على حافة الموت ؟
ماذا لو كان ما أشعر به هو أزمة قلبية ؟ أو هبوط فى الدورة الدموية ؟
حينها بدأت أشعر بضربات قلبى تتسارع ، وتداخلت الصور أمام عينى وأحسست برأسى تدور وكأنى على وشك الإغماء .
سألت نفسى هل سأموت هنا فى هذا المكان الموحش ، بعيداً عن دفء الأحبة ؟
وتابعت .. هل سأموت اليوم ؟ الآن ؟
راجعت يومى سريعاً .. لم أقرأ اليوم قرآن ، ولم أقضى بعض الوقت فى ذكر الله !
ما هذا !!  لقد كان يومى مشحوناً بالعمل والتنقل من مكان لآخر ، حتى أنى لم أحسن أداء صلواتى ؟ وكنت شارداً فى معظم وقتها !
اليوم فقط !! منذ فترة وأنا على تلك الحال !!
سألت نفسى بصوت ضعيف يخرج بصعوبة بين صوت أنفاسى المتعالية وضربات قلبى المجنونة .. أين أنت من ربك ؟
تخيلتنى وأنا محمول على الأعناق فى اليوم التالى ، استرجعت صور سريعة لآخر جنازة شهدتها ، وتخيلت نفسى فى ذلك الموقف ، لم أستطع تحمل فكرة أن يحدث هذا لى أنا !! والآن !!
أخذت أنظر للسيارات المسرعة من حولى ، هممت بأن أخرج يدى من نافذتى وأستغيث بهم أن يدركونى ، ويذهبون بى الى اقرب مركز اسعاف  ، ولكنى لم أجرؤ على ذلك ، ومرت دقائق وانا على هذا الحال لا أعرف هل أسرع لأصل الى اقرب مكان مأهول ؟ أم أبطئ لأنى لم أعد أرى الطريق بوضوج ؟
كانت دقائق مرت كأنها ساعات ، وبدأت أستغفر الله ، وأردد الشهادتين ، واذا بى أشعر بالهدوء يتسلل الى قلبى ببطء والى جسدى ونفسى رويداً رويداً ، حتى تمالكت نفسى وشعرت باستقرار فى ضربات قلبى وفى معدل انفاسى ، وعادت الصور تستقر أمام عينى شيئاً فشيئاً .
وأدركت أن هذا التطور الغير مسبوق فى حالتى النفسية والجسمانية ما هو الا رعب الموت .
نعم .. فأنا معتاد على أعراض إنخفاض الدورة الدموية التى تصيبنى أحياناً بسبب الإرهاق أو إرتفاع درجة حرارة الجو ، ولكن هذه المرة الأعراض مختلفة ، الأعراض أكثر حدة وبها إختلاف نوعى ، لقد كانت هذه المرة هى تأثير جرعة كبيرة من الأدرنالين  إندفعت الى عروقى بقوة وسرعة لتسبب لى هذا الخفقان وتذبذب البصر ، إنه الخوف .. الخوف من الموت .
ولكن هل كان الخوف من الموت حقاً ؟
أم الخوف من الموت بعيداً عن الأحبة ؟
أم كان الخوف من الموت دون إستعداد له ؟ 
وقلت لنفسى .. حتى لو لم تكن تلك ساعتك ، فهى آتية ربما بعد قليل .. وربما بعد ساعات ، وربما غداً أو بعد سنة أو عشر سنين .. فلم يتبق من العمر الا القليل .. وقد مضى منه الكثير .
وحتى لو كنت بين أهلى وأحبابى فما عساهم يفعلون ، ومرت الآية الكريمة على قلبى : 
" فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (٨٤)  وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُبْصِرُونَ (٨٥)  فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (٨٧) "  سورة الواقعة 
سواء كنت وحيداً أو بين أحب الناس الى قلبى ، سواء كنت بعيداً أو قريباً ، فلن يغنى عنى من الله شيئاً إلا عمل تقبله الله منى ولن يرحمنى إلا ربى .
إذاً هو الخوف من الرحيل دون إستعداد ، من الغفلة التى تأخذنى ، والدنيا التى تشغلنى ، وطول الأمل الذى يضيعنى .
من يومها وأنا أسأل نفسى كيف أصل الى مرتبة أرى فيها الموت يأتينى وأنا هادئ النفس قرير العين ، لأنى أعددت له العدة ، وحزمت أمتعتى ، وشحنت رصيدى ، وأستعددت له .
على مدار الأيام التالية إسترجعت الكثير من أعمالى ، ونظرت الى حياتى وأيامى بنظرة الراحل ، المغادر ، فراعنى ما رأيت وازداد خوفى وهلعى ، لأنى وجدتنى عالق تماماً فى تلك الدنيا التى كادت أن تغادرنى وأنا لازلت  لها أسيراً و إليها مكبلاً .
عرفت أن الأمر أصعب مما تصورت ، ربما تكون معرفة الخطر هى الخطوة الأولى للنجاة ولكن لازالت هناك خطوات كثيرة أهمها : العزم .. والمثابرة .. وأصعبها القدرة على التحرر من قيود الدنيا .
وبنفسى الضعيفة وهمتى الواهية تكون مهمتى غاية فى الصعوبة ، فوجدت أن خلاصى الوحيد فى الاستعانة بقوة عظمى ، الاستعانة بحول الله وقوته ، وجدت أن ملاذى الوحيد أن أتوجه الى الله متضرعاً أن يمنحنى القوة على هجر المعاصى ، ويهبنى رحمة من لدنه يقربنى بها اليه ، ويتم علىَّ نعمته بأن يرزقنى حسن الخاتمة ، ويرزقنى قبل الموت توبة وعند الموت طاعة ورحمة من لدنه وبعد الموت جنةً ونعيماً .


Wael